محمد الاتربى رئيس بنك مصر في ذكرى ثورة 30 يونيو: الارادة السياسية بقيادة الرئيس السيسى أعادت لمصر مكانتها الاقتصادية
مما لا شك فيه ان الإدارة السياسية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي استطاعت أن ترسخ كافة أركان الدولة المصرية على مدار السنوات الثماني الماضية، لتنطلق الدولة المصرية إلى مرحلة استعادة الهوية الاقليمية والدولية، ورفع مقدرات الدولة المصرية بعد ثورة يناير 2011.
كما عملت القيادة السياسية على الارتقاء بالقوة الشاملة للدولة التي تراجعت بشدة خلال السنوات التي أعقبت أحداث 25 يناير2011… رأينا ذلك في تعزيز القدرات السياسية والاقتصادية تمكنت الإدارة السياسية من خلالها ان تقدم مصر للعالم بالشكل الذى اصبح مناط إشادات دولية من مؤسسات دولية رفيعة المستوى وأصبحت التجربة المصرية، تجربة يحتذى بها دولياً على المستوى السياسي والاقتصادي، لتظل مصر الدولة المحورية في المنطقة ولتعود علاقات التعاون العربي المشترك كسابق عهدها، ولتستعيد مصر مكانتها في قلب أمتها العربية.
رؤية متكاملة المعالم محددة الخطي
لقد قدم الرئيس السيسي رؤية متكاملة المعالم محددة الخطي، شملت مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تضمنت عدد من الملفات القومية كان على رأسها توفير فرص عمل واسعة لتشغيل الشباب والمواطنين والعائدين من دول عربية تعرضت لأزمات، تأكيده وحرصه على انشاء قاعدة للقطاع الصناعي، اعتنائه الشخصي ومتابعته وتفقده لمشروعات البنية الأساسية بهدف بناء وتجديد البنية الأساسية للبلاد بهدف التشغيل وجذب الاستثمارات لإقامة مشروعات جديدة توفر فرص عمل وتزيد الناتج القومي المصري.
فضلاً عن امتداد رؤيته التي شملت التوسع العمراني عبر رسم خريطة جديدة للبلاد تتضمن أنشاء العديد من المدن الجديدة وعاصمة جديدة، لتخفيف التكدس في الدلتا والقاهرة والصعيد واستيعاب الزيادة السكانية المتوقعة خلال العقود المقبلة.
لقد أصبح الآن في مصر قاعدة إنتاجية كبري في الصناعة والزراعة والإنتاج السمكي والحيواني، ترفع معدلات النمو والتشغيل وتزيد المعروض من السلع الغذائية بما يحقق توازن الأسعار ويكبح الغلاء، وهذا ينجلي الآن بوضوح وخاصة عقب نشوب الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا والتي تسببت في تعطل سلاسل التوريد من القمح وعدد من السلع الغذائية الأخرى لعدد من الدول التي كانت تعتمد على الدولتين في تدبير احتياجاتهما الغذائية، نجد أن مصر بفضل الله وبفضل رسم سياسات زراعية هدفها تحقيق الأمن الغذائي والتوسع مستقبلاً في التصدير، أصبحت في مأمن بعد ما قامت بزراعة نحو 3.5 مليون فدان من القمح ليقترب إنتاج القمح المحلى من 10 ملايين طن، فضلاً عن التوسع في الطاقات التخزينية لتقترب من 3 أضعاف الطاقات الإنتاجية من محصول القمح.
برامج حقيقية تمس حياة المواطنين
ولأول مرة نرى برامج حقيقية يتم تنفيذها على أرض الواقع تمس حياة المواطن وتهدف إلى تحسين مستوى معيشته، وبالأخص الطبقات المحدودة الدخل والفقيرة، هذه البرامج سوف تسهم في بناء الأنسان المصري ثقافياً وتعليمياً، على مستوى الدولة هناك حوار مجتمعي وثقافي لم يقتصر على المواطن المصري فقط، بل أمتد الآن ليشمل مشاركة وحوارات أفراد من شعوب الدول العالمية كما رأينا في آخر منتدى للشباب… وأمتد هذا الحوار الثقافي لكافة المؤسسات بهدف خلق مناخ أكثر تعاوناً ومساهماً في خلق قيمة مضافة حقيقية للمؤسسات وللدولة ككل ويشجع الانتماء ويقضي على عناصر التطرف.
ومن منظور اقتصادي …فأن السياسات الاقتصادية التي تمت خلال الثمانية أعوام الماضية، أعادت النمو للاقتصاد المصري لمستوياتها الطبيعية وأحدثت التوازن مرة اخري بين أورقته ورسمت طريقاً للمستقبل، بعد أن واجهت الدولة المصرية تحديات عديدة قبل ثورة 30 يونيو، نتج عنها تراجع في معدلات النمو الاقتصادي بسبب زيادة النفقات وتراجع الإيرادات… الامر الذى دعا القيادة السياسية لرسم خارطة اصلاح اقتصادي استندت إلى ثلاثة محاور أولها العمل على استعادة التوازن في القطاعات التشغيلية… والمحور الثاني كان العمل الدؤوب على تذليل أية معوقات للنمو… و المحور الثالث العمل على خلق قطاعات واعدة جديدة تهدف لإقامة صناعة وطنية قوية تمهد لإحلال الواردات وتعظيم الصادرات.
آفاق الاقتصاد القومي
مما لا شك فيه أن الاقتصاد القومي المصري، تأثر بشكل كبير بما يحدث من ظروف استثنائية دولية ألقت بظلالها على الواقع الاقتصادي الراهن بتداعيات غير مسبوقة نتج عنها تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وتراجع معدلات الإنتاج وتدفقات الاستثمار وعدم استقرار سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع معدلات التضخم ومستويات المديونية.
ولم يكن الاقتصاد المصري بمعزل عن تلك التداعيات فلقد تكبد الاقتصاد المصري خسائر مباشر تقدر بنحو 130 مليار جنيه وغير مباشرة بنحو 335 مليار جنيه، نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتشديد السياسة النقدية عالمياً، وتوقف تدفق السياح من روسيا وأوكرانيا، وهما دولتان تمثلان معاً نحو ثلث السياحة الوافدة إلى مصر.
وعلى الرغم من ذلك فأنني على يقين بقدرة وصلابة الاقتصاد المصري على التعامل الإيجابي المرن مع التحديات العالمية المتتالية بدءًا من جائحة “كورونا” وصولاً للأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، والتي أدت إلى معدلات تضخم لم تشهدها معظم اقتصادات العالم منذ أكثر من أربعين عامًا… إذ تم على الفور التوجيه الرئاسي بتخصيص حزمة مالية متنوعة بقيمة 135 مليار جنيه لتخفيف آثار الأزمة العالمية على المواطنين والقطاعات الاقتصادية من خلال تحسين الأجور والمعاشات بتبكير زيادة العلاوات الدورية والخاصة ، وزيادة حد الإعفاءات الضريبية على المواطنين والقطاعات الصناعية، فضلاً عن تحمل الخزانة العامة للدولة قيمة الضريبة العقارية المستحقة عن قطاعات الصناعة لمدة ثلاث سنوات، كما أصدرت الحكومة قرار بتجديد العمل بقانون إنهاء المنازعات الضريبية والأحكام والإجراءات المعمول بها حتى 31 ديسمبر 2022، الذى يُعد بمثابة فرصة جديدة للاتفاق مع الإدارة الضريبية على إنهاء المنازعات.
قدرة الاقتصاد المصري في الصمود لمواجهة التحديات
وأنني علي يقين بقدرة الاقتصاد المصري في الصمود لمواجهة تلك التداعيات السلبية الدولية، مدعوماً بالإصلاحات الهيكلية التي تمت منذ عام 2016 والتي أكسبته مرونة في مواجهة الصدمات، فضلاً عن تهيئة بنية تحتية قوية تم تطويرها ب لتصبح مصر أكثر قدرة على استيعاب حجم ضخم من الاستثمارات، ولابد للجميع بأن يثق في إمكانيات وقدرات الدولة المصرية بقيادتها السياسية الحكيمة، مع الإرادة المصرية الصلبة للشعب العظيم، والعمل سوياً لتجاوز تحديات الأزمات الاقتصادية العالمية، خاصة أن أداء الاقتصاد المصري حظى بالعديد من شهادات الثقة الدولية… ونحن نري الآن مصر وقد تحولت إلى نقطة مضيئة على خريطة الاستثمار العالمي.
كما أن هناك عزم سياسي بنية صادقة على عودة المكانة الاقتصادية لمصر وأن تصبح مصر مركزاً إقليمياً جاذباً للاستثمارات الدولية، حيث شهد مناخ الاستثمار في مصر خلال الفترة الأخيرة العديد من الإصلاحات المؤسسية بهدف تيسير وتبسيط الإجراءات على المستثمرين، مما أسهم في تحقيق نتائج إيجابية في مجال تأسيس الشركات من حيث الوقت والتكلفة وإجراءات بدء النشاط، وبالتزامن مع ذلك تم سنّ حزمة من التشريعات التي تستهدف خلق مناخ جاذب للاستثمار المحلي والأجنبي، شملت قوانين الضرائب، والاستثمار ومشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية، والخدمات، والمرافق العامة، وقانون العمل الجديد، فضلا عن إطلاق حزمة حوافز إضافية للاستثمار في مشروعات الاقتصاد الأخضر اتساقاً مع توجه الدولة في هذا الشأن، يضاف إلى ذلك خطة النهوض بالبورصة المصرية من خلال طرح عدد من أسهم شركات حكومية هذا العام، كما أن هناك هدفاً محورياً لتعزيز دور القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الاقتصاد إلى اكثر من 65% خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
زيادة مشاركة مصر في سلاسل القيمة والإمداد العالمية
ذلك فضلاً عن الجهود المبذولة لزيادة مشاركة مصر في سلاسل القيمة والإمداد العالمية، بالنظر إلى موقعها الجغرافي المتميز وحجم الطلب المحلي الكبير والمتنوع، ووفرة العمالة الماهرة والمدربة، بالإضافة إلى وجود قناة السويس التي يمر بها نحو 12% من حجم التجارة العالمية سنوياً، وفى سبيل ذلك تم إنشاء الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عام 2015 لتكون بمثابة بيئة أعمال متكاملة مُحفزة للمستثمرين، تقدم خدمات لوجيستية وصناعية وفقاً لأعلى المعايير العالمية، وتُسهم في تحول مصر إلى مركز اقتصادي ولوجيستي عالمي مؤثر في سلاسل الإمداد والقيمة العالمية، ومنطقة متكاملة ترتكز على التصنيع والنقل البحري والخدمات اللوجستية، وقد أسفرت تلك الجهود عن وصول إجمالي حجم الاستثمارات داخل المنطقة إلى نحو 18 مليار دولار.
وقريباً ستطلق الحكومة المصرية عدد من المشروعات الضخمة في مجالات مراكز البيانات العملاقة، وشبكات نقل البترول والغاز، ومحطات إسالة الغاز، وأبراج الاتصالات، وإعادة تأهيل محطات الرياح، مع توفير حزمة حوافز استثمارية خاصة بكل مشروع لجذب الاستثمار الأجنبي.
ذلك بجانب مبادرة “حياة كريمة” والتي يخصص لها إنفاق استثمارات بقيمة 700 مليار جنيه خلال 3 أعوام، مما يعني زيادة معدلات التشغيل، بالإضافة إلى زيادة معدلات الإنتاج الصناعي مع دخول مجمعات صناعية جديدة للتشغيل، وتعمل على خفض معدل البطالة.
فتح آفاق للتعاون مع القطاع الخاص المحلى والدولي
كما أن هناك توجيهات سياسية بهدف توطين الصناعة من أجل زيادة الصادرات المصرية لنحو 100 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة، هذا سوف يفتح آفاق للتعاون مع القطاع الخاص المحلى والدولي بخاصة في ضوء الحوافز الموجهة للقطاع الصناعي التي تقدمها الحكومة للمستثمرين، والتي تتضمن منح “الرخصة الذهبية” لبعض المشروعات، وهي رخصة واحدة يتم إصدارها لتسهيل عمليات الاستثمار.
أضيف أن مجال الزراعة يعد أيضاً في مقدمة القطاعات ذات الأولوية التي سوف تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي مستقبلاً وتحقق الأمن الغذائي لمصر، فضلاً عن تعزيز الصادرات الزراعية وتعميق الإنتاج الصناعي الغذائي، حيث ضخت الدولة استثمارات ضخمة بهدف التوسع الأفقي الزراعي عن طريق إقامة المشروعات القومية التي تستهدف زيادة الرقعة الزراعية من جانب، والتوسع الرأسي وزيادة انتاجية المحاصيل الزراعية من جانب آخر، وقد أسهم ذلك في توفير الدولة لمئات الآلاف من الأفدنة المتاحة للمستثمرين للزراعة مما يسهم في زيادة الاستثمار الزراعي.
وهناك العديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة التي سوف تضيف للاقتصاد القومي صلابة وتعزز من نموه مستقبلاً، يأتي على رأسها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إذ يُعد أيضا أحد القطاعات ذات الأولوية، خاصة مجالات البرمجيات، وإقامة مراكز البيانات، فضلاً عن قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة والذى يمثل أولوية للحكومة، حيث تسعي مصر لأن تكون مركزاً إقليمياً لمزيج الطاقة، بما يخدم عمليات الربط الكهربائي، وتصدير الطاقة إلى أوروبا ودول الجوار، حيث وقعت مصر 6 مذكرات تفاهم مع كبري الشركات العالمية العاملة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في مصر، حيث تُقدم مصر حوافز لتشجيع الاستثمار في هذا المجال، وتخصص أراضي لإقامة هذه المشروعات وربطها بالموانئ لتسهيل عملية التصدير.
طرح مشروعات جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر
وهناك أيضا برنامج تفصيلي لفتح المجال للشراكة بين القطاعين العام والخاص في عدد من المشروعات القومية الكبرى، خاصة في مجالي الطاقة والمرافق، فضلا عن طرح مشروعات جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر.
كما أكدت مؤسسة فيتش العالمية أنه على الرغم من التأثيرات السلبية للأزمة على أسعار الطاقة والغذاء على مستوى دول المنطقة، تعتبر مصر دولة متميزة وسط هذه الاقتصادات لما لديها من عجز ضئيل جداً بالميزان التجاري البترولي بالإضافة الى دور تصدير الغاز في تحقيق إيرادات دولاريه مع زياده انتاجه في مصر.
كما أكد صندوق النقد الدولي، بأن مجموعة التدابير والسياسات الاقتصادية التي اتخذتها مصر من شأنها الحفاظ على آفاق النمو الاقتصادي على المدى المتوسط، موضحاً أن الإجراءات المتخذة شملت توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وضمان مرونة سعر الصرف، وهي خطوات مرحب بها لامتصاص الصدمات الخارجية خلال ذلك الوقت المضطرب، متوقعاً بأن ينمو الاقتصاد المصري بمعدل يصل لنحو 5% خلال عام 2022-2023 ليصبح بذلك أعلى معدل نمو بين دول المنطقة.