مصدرك الأول في عالم البنوك

أجندة تغييرات ترامب تقود أداء الاقتصاد الأمريكي للتباطؤ ( تحليل اقتصادي )

بعد إعلانه فرض رسوم جمركية شاملة على جميع الواردات هبطت الأسهم بسبب المخاوف من اندلاع حروب تجارية أوسع وأعمق

في بداية العام، كانت التوقعات بشأن الاقتصاد الأمريكي تشير إلى تباطؤ طفيف في النمو.

 

لكن الإدارة الجديدة شرعت في تنفيذ أجندة من التغييرات المُزعزِعة للسياسات، وبدأت أجواء التفاؤل والمعنويات الإيجابية التي كانت سائدة في الأسواق المالية تتغير.

 

وتصاعدت الأمور بعد “يوم التحرير” في مطلع شهر أبريل، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية شاملة على جميع الواردات الداخلة إلى الولايات المتحدة.

 

وتأثرت الأسواق المالية بشدة بهذا الإعلان، فقد هبطت الأسهم بسبب المخاوف من اندلاع حروب تجارية أوسع وأعمق، والشكوك في مصداقية السياسات، والآثار السلبية المحتملة على الاقتصاد.

 

وفي أسوأ المراحل، وصل إجماع التوقعات بشأن نمو الاقتصاد الأمريكي إلى مستوى متدنٍ يبلغ 1.4% في مايو.

 

وهذا يمثل انخفاضاً بما يقارب نقطة مئوية كاملة عن أعلى نسبة مسجلة في فبراير، والتي بلغت 2.3%، وهو تراجع كبير خلال فترة زمنية قصيرة.

بعد أن بلغ التشاؤم ذروته في مايو، استقرت المؤشرات الاقتصادية، بل وأشارت بعضها بشكل مفاجئ إلى تسارع النشاط الاقتصادي.

 

يُعد مؤشرGDP Now نموذجاً فورياً وآنياً لرصد النمو الفعلي في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأمريكي خلال الربع الحالي، ويصدر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا.

 

يعتمد هذا المؤشر على مجموعة واسعة من المؤشرات عالية التردد من قطاعات اقتصادية رئيسية، ولذلك فإنه يلخص الأوضاع الاقتصادية.

 

تشير أحدث التقديرات المتوفرة إلى معدل نمو سنوي يبلغ 3.8% في الربع الثالث من عام 2025، وهو تسارع كبير في النشاط مقارنة بالانكماش الذي بلغت نسبته 0.6% في الربع الأول من عام 2025.

وإجماع التوقعات الذي يشير إلى نمو بنسبة 1.7% هذا العام يُعتبر متأخراً مقارنة بأحدث المعلومات المتاحة، وبالتالي فإنه يُعتبر أكثر تشاؤماً.

 

المكونات الرئيسية للناتج المحلي الإجمالي التي تساهم في تسارع النشاط الاقتصادي وتدعم التوقعات الأكثر إيجابية.

أولاً، يوفر استهلاك الأسر دفعة قوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة، مدعوماً بمزيج من معدلات التوظيف القوية – رغم تراجعها – والثروة الصافية القياسية للأسر، وتوفر الوصول إلى الائتمان بشكل كافٍ.

 

ويمثل الاستهلاك ما يقارب 70% من الناتج المحلي الإجمالي، ولذلك فإنه يُعتبر المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي.

 

وقد تسارع نمو مبيعات التجزئة المعدلة حسب التضخم، وهو مقياس مفيد لقوة الاستهلاك، إلى 1.7% على أساس سنوي وفقاً لأحدث البيانات، متجاوزاً بكثير متوسط العام الماضي البالغ -0.3%.

حتى في ظل تباطؤ مكاسب التوظيف، لا يزال معدل البطالة البالغ 4.3% ضمن نطاق التوظيف المتوازن.

 

وحققت الإيرادات نمواً ثابتاً بالقيمة الحقيقية، متجاوزة التضخم، مما يساعد في الحفاظ على قوة الدخل الإجمالي للأسر.

 

وعزز التأثير الإيجابي للثروة جراء ارتفاع أسواق الأسهم القدرة على الإنفاق. وتمثل الأسهم المملوكة بشكل مباشر وغير مباشر 35% من صافي ثروة الأسر،

 

كما أن النمو السنوي بنسبة 14% في المؤشرات الرئيسية له تأثير كبير على الثروة، مما يوفر تأثيراً إيجابياً يعزز معنويات الاستهلاك. كما تظل قنوات الاقتراض ديناميكية،

 

نما إجمالي الائتمان الممنوح للأسر بمقدار 352 مليار دولار أمريكي في الربعين الأولين ويستمر في دعم الإنفاق خلال هذا الربع.

 

وتساهم هذه العوامل مجتمعة في الحفاظ على استهلاك الأسر كمحرك رئيسي لزخم الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث يمثل ثلثي نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المتوقع لهذا الربع.

ثانياً، يشهد الاستثمار التجاري أداءً قوياً، بفضل الظروف المالية المواتية والحوافز المالية والنفقات الرأسمالية المتعلقة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

 

وقد أظهرت أحدث البيانات نمواً متسارعاً في “طلبات السلع الرأسمالية الأساسية”، وهي إشارة آنية ونموذجية للنفقات الرأسمالية للقطاع الخاص.

 

يتتبع هذا المقياس السلع الرأسمالية غير المرتبطة بالصناعة الدفاعية ويستثني طلبات الطائرات، التي عادة ما تتأثر بشدة بالمشتريات غير المنتظمة، وبالتالي تكون أقل دقة.

 

في الأشهر الأخيرة، نما هذا المؤشر بمعدل يقارب 4% على أساس سنوي، وهو تسارع ملحوظ مقارنة بمتوسط انكماش بلغ 0.9% في العام الماضي.

تساهم عدة عوامل في نمو الاستثمار. فالطلب على المعدات والتكنولوجيا آخذ في الارتفاع، مع استمرار الشركات في الاستثمار لدعم الإنتاجية والتوسع المرتبط بالذكاء الاصطناعي.

 

كما تشجع الحوافز السياسية، مثل قانون الرقائق والعلوم (CHIPS Acts)، وقانون خفض التضخم، وبرامج البنية التحتية، بناء منشآت أشباه الموصلات، والمصانع، ومشاريع الطاقة النظيفة.

 

وتوفر جودة أرباح الشركات والعوائد المرتفعة المتوقعة على رأس المال المستثمر الوسائل والحوافز اللازمة للشركات للمضي قدماً في مشاريع طويلة الأجل.

 

وتسهم هذه الاتجاهات الاستثمارية مجتمعة في تسريع النمو الاقتصادي.

 

بشكل عام، يشهد الاقتصاد الأمريكي انتعاشاً متجدداً بفضل الزخم القوي في الاستهلاك والاستثمار الخاص.

 

ونرى أن الاقتصاد الأمريكي قد ينمو بأكثر من 2% هذا العام، بفضل الاستهلاك القوي والاستثمار الخاص.

 

المصادر : نظام الاحتياطي الفيدرالي،  مكتب إحصاءات العمل، قسم الاقتصاد في بنك QNB